النتائج المستفادة من عيد جالوت وقصة احياء الخلافة العباسية


النتائج المستفادة من عيد جالوت وقصة احياء الخلافة العباسية
عين جالوت


سوف نتناول فى هذا المقال الاحداث التى وقعت بعد معركة عين جالوت فى بلاد الشام  وسوف نسرد النتائج التى عادت بها المعركة على العالم الاسلامى على الاخص وعلى العالم باجمعة وكذلك اثرها على دولة المماليك وكذلك سوف نسرد قصة احياء الخلافة العباسية على يد بيبرس.

ما بعد معركة عين جالوت 

وبموت المظفر قطز اعتلى بيبرس عرش السلطنة المملوكية بمصر، وتلقب بالملك الظاهر ، ولما بلغ المغول نبأ قتل قطز بتلك الصورة توقعوا حدوث انقسام داخل دولة المماليك . ووجدوا في ذلك فرصة سانحة لهم لمحاولة فرض سيطرتهم على بلاد الشام مرةاخرى . فتجمع المغول الذين كانوا بحران وغيرها من مدن اقليم الجزيرة ، وانضم اليهم من سلم من معركة عين جالوت ، وساروا حتى قاربوا البيرة التي كانوا قبل ذلك قد هدموا اسوارها وابراج قلعتها واضحت مدينة مكشوفة ، فادرك الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ الذي كان واليا على حلب خطورة الموقف فيها .

وارسل نجدة من عنده المساعدة اهل البيرة في الدفاع عن مدينتهم . الا ان هذه القوة الاسلامية لم تستطع الصمود أمام الجموع المغولية وتراجعت الى داخل المدينة حيث بعث قوادها إلى الملك السعيد يخبرونه بتفاقم خطر المغول وانهم اتجهوا الى منبج ، ويبدو أن المغول ارادوا عدم اضاعة الوقت في الهجوم على المدن الصغيرة ، وعقدوا العزم على مهاجمة مدينة حلب التي وصلوها في يوم الخميس السادس والعشرين من ذي الحجة سنة 658ه / نوفمبر ۱۲۹۰م وبدأوا في مهاجمتها بقيادة الامير المغولي بايدر الذي استطاع اقتحام المدينة واخراج من سن المسلمين إلى قرية قرنبیا شرقی حلب ، وفيها حاول المسلمون توحيد صفوفهم مرة اخرى للوقوف في وجه المغول وايقاف زحفهم الا ان ذلك التجمع.

لم يجد نفعا امام الجموع المغولية . واضطر المسلمون بقيادة حسام الدين الجوكندار الذي خلف الملك السعيد على حلب الى التراجع إلى الخلف لاستدراج المغول الى مكان افضل لمنازلتهم ، فتراجع إلى حماه التي فيها الملك المنصور صاحبها ، وفيها رأی - على ما يبدو - توسيع الرقعة على المغول بالتراجع إلى حمص متظاهرا بالضعف أمامهم . بهدف اعطاء نفسه فرصة كافية لحشد أكبر عدد من الجيوش الاسلامية ، فوصله بحمص الملك المنصور صاحب حماه ، ومعه اخوه الملك الافضل على ومعهما عساكرالرستن ، أبلى فيها المسلمون بلاء حسنا رغم قلة عددهم وكثرة عدد المغول ، حتى كتب الله لهم النصر على عدوهم ، وفر بایدر من المعركة فيمن سلم من جنده وتبعهمالمسلمون يقتلون ويأسرون ، وسارع الملك المنصور عقب ذلك الانتصار بالاتجاه إلى حلب . 

الأمر الذي اضطر فلول المغول الى الاتجاه الى سلمية حيث انضموا الى جموع مغولية كانت نازلة بها . وحاولوا عبثا مهاجمة حماه مرة ثانية واقاموا عليها يوما واحدا ، ثم رحلوا عنها إلى أفامية ، التي كان قد سبقهم اليها فرقة من جيش المسلمين اقامت بالقلعة ، وقامت بتنظيم الهجمات على المغول داخل المدينة حتى اضطر العدو الى ترك افاميه والاتجاه إلى حلب التي ظلوا يحاصرونها مدة من الزمن ، حتى تمكن الملك الظاهر بیبرس من تثبيت نفسه على عرش الدولة المملوكية في مصر والشام ، حيث سارع بارسال جيش كبير أوكل اليه مهمة طرد المغول من بلاد الشام ، ولما سمع المغول بمقدم ذلك الجيش داخلهم الهلع والخوف فولوا الأدبار هاربين باتجاه الشرق وطهرت بلاد الشام مرة اخرى من الاحتلال المغولي . وعليه يمكن القول أن ذلك الانتصار العظيم الذي حققه المماليك في عين جالوت ، وما أعقبه من طرد المغول نهائيا من بلاد الشام .

النتائج  المستفادة من معركة عين جالوت

 تعتبر معركة عين جالوت بحق من الأحداث الحاسمة ليس في تاريخ مصر والشام فحسب ولا في تاريخ الامم الاسلامية بمفردها ، وانما في تاريخ العالم بأسره ، اذ أن ذلك الانتصار لم ينقذ العالم الاسلامي وحده ، بل انقذ العالم الأوروبي، والمدنية الأوروبية من شر لم يكن لاحد من ملوك اوربا وقتئذ قبل کما ان هذه المعركة تفوق في اهميتها المعارك الحربية الحاسمة في العصور الحديثة ، لانها لم تكن حربا بين شعوب راقية متحضرة تحكمها القوانين والقواعد والأعراف ، بل كان احد طرفيها وهم المغول عبارة عن شعب بدائي بربري متوحش سفاك للدماء مخرب الكل معالم الحضارة ، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نؤكد بان موقعة عين جالوت قد تركت في تاريخ البشرية اثرا اشد وقعا واقوى تأثيرا مما تركته وقعتي المارن في الحرب العالمية الأولى والعلمين في الحرب العالمية الثانية .

ولا يمكن ان نقصر الانتصار على العالم الاسلامي فقط ، فان انتصار المماليك في هذه المعركة ، كان بمثابة السد المنيع الذي حال دون تقدم المغول الى الأراضي المصرية وبقية العالم الاسلامي ، وقضوا بذلك على خرافة الجيش المغولي الذي لا يقهر . ورغم أن هذه الهزيمة لم تلحق بشخص هولاكو نفسه فان تلك الهزيمة الثقيلة التي مني بها جيشه وقتل فيها قائده العظيم کیتوبوقا ، تعد صدمة عنيفة هزت كيانه وهو بعيد عن مسرح الحوادث ، فتأثر لذلك ، وحاول أن يمحوا ذلك العار الذي لحق بجيوشه بارسال حملة جديدة إلى الشام في محاولة يائسة للانتقام من المسلمين . غير أن الظروف في ذلك الوقت لم تمكنه من ذلك اذ لم يستطع التقدم غربا لمساعدة جيوشه المهزومة في عين جالوت

وهناك اهمية اخرى كبيرة لانتصار الماليك في هذه المعركة ، فقد تم لهم القضاء نهائيا على المعارضة الايوبية لهم ، واعادوا الوحدة بين مصر والشام بعد ان ادی ضعف ابناء البيت الايوبي وتنازعهم الى تمزيق رباط الوحدة التي اجهد كل من نور الدين محمود وصلاح الدين نفسه في بنائها قبل ذلك والتي كان لابد من استمرارها لمواجهة الأخطار التي احدقت بالمسلمين في الشرق الأدنى ، ولكن تقاعس امراء البيت الايوبي عن صد المغول وحلفائهم ، بل تواطوء بعضهم مع المغول واشتراكهم معهم في عين جالوت ضد اخوانهم المسلمين .

 كل ذلك افقد بني ایوب اي حق شرعي في الملك وجعلهم يبدون في نظر الناس في صورة قوة متداعية غير جديرة بحكم المسلمين . في الوقت الذي ابدی فيه المماليك ثباتا وصلاحية للبقاء  وحصلوا على ما كان ينقصهم من مجد لابد منه لتثبيت اركان دولتهم ، فنسى الناس أصلهم غير الحر ، وتناسوا انهم اغتصبوا العرش من سادتهم الأيوبيين . ولم يعد المسلمون يذكرون عنهم الا شيئا واحدا هو ان المماليك انقذوهم من المغول وان بقاءهم في الحكم بات ضرورة لا بد منها للمحافظة على كيان المسلمين في الشرق الأدنى .

 ومن الناحية الحضارية ، جنبت مصر ويلات الغزو المغولي المدمر ، واحتفظت مصر بما لها من مكانة حضارية ومدنية . ولم تتعرض لما تعرضت له بغداد ودمشق وغيرهما من مدن إيران والعراق والشام من الخراب والدمار الذي عطل ما كانت تزخر به هذه المدن الإسلامية من الفنون والعلوم والآداب ، والمعالم الحضارية وبقيت القاهرة مكانة هادئة آمنة يهرع إليها العلماء والأدباء والفنانون ، حتي اكتسبت عاصمة الدولة المملوكية مكانة ممتازة من الناحية الأدبية والعلمية إلى جانب مكانتها السياسية ، التي برهنت عما اكتسبه الماليك المسلمون من هيبة ومقدرة في شئون السياسة والحرب اتضحت في علاقاتهم الخارجية الدولية الواسعة الانتشار ، وفي اصلاحاتهم وإدارتهم الداخلية الحازمة التي فرضت احترامهم على كافة الحكام المسلمين ،

احياء الخلافة الاسلامية على يد الظاهر بيبرس:

على ان الاهمية الكبرى لمعركة عين جالوت هى احياء الخلافة العباسية حيث تعتبر بحق انتصر معنويا لدولة لازالت فى طور التاسيس وتتلمس كل الوسائل لتدعيم اركانها ومما يدلنا على ذلك الوسائل التي فطن بیبرس إلى دعم سلطته بها ، إحياء الخلافة العباسية التي ظلت غائبة عن الوجود ثلاث سنين ، ولعل السبب المباشر الذي دفعه إلى ذلك هو أنه بالرغم مما حققه من نجاح في صد المغول في بلاد الشام ، وإعادة الوحدة مرة أخرى بين الأراضي المصرية      والبلاد الشامية.. 

 فإن إقدامه على قتل السلطان قطز عقب ذلك الانتصار ، أدى إلى استياء بعض  الأمراء منه . وظهرت ضده ثورتان داخليتان في وقت واحد تقريبا وذلك في أواخر سنة 658 ه۱۲۹۰م. إحداهما بدمشق ، حيث قام بها الأمير علم الدين سنجر الحلبي الذي كان قطز قد استنابه بها . ونادي بنفسه سلطانا على دمشق في ذي الحجة من سنة 658 ه / نوفمبر 1290م. وتلقب بالملك المجاهد ، وتقلد شعائر السلطنة وخطب له على المنابر ، وضربت السكة بإسمه . وأخذ في تحصين قلعة دمشق استعدادا لمواجهة بيبرس ، 

وحاول في الوقت نفسه استمالة الملك المنصور صاحب حماه ، والملك الأشرف موسی صاحب حمص ، إلا أنها رفضا إجابته إلى ذلك . ولما لم تجد محاولات بيبرس السلمية في اقناعه بالعدول عن ثورته . جرد جيشأ قوية للقضاء عليه قبل أن تستفحل ثورته . وتمكن ذلك الجيش من إخماد تلك الثورة وعاد إلى القاهرة بنائب دمشق مقرنا في الأصفاد ، في 16 صفر 659 ه  ۱۲۹۱يناير   وولى بیبرس استاذه علاء الدين البندقداری نائبا على دمشق

اما الثورة الثانية فقد ظهرت بالقاهرة وتزعهما رجل شيعىعرف بالكورانى حيث تردد علية اتباعة واتفق معهم على تنظيم ثورة داخلية لاستبدال الحكم السني بحكم شيعي فشق الثوار شوارع القاهرة ليلا في أواخر سنة 108 ه۱۲۹۰م وهم ينادون ربا آل علي ، وقاموا بعمليات سلب ونهب حيث اقتحموا حوانيت بيع السلاح واصطبلات الخيول وأخذوا منها السلاح والخيول ، لاستخدامها ضد قوات السلطان الظاهر بيبرس ، التي سارعت بدورها بمحاصرة الثوار ، وإلقاء القبض على زعمائهم حتى خمدت الثورة ، ثم أمر بيبرس بصلب الكوراني وغيره من زعماء هذه الثورة الشيعية على باب زويلهوبهذا تمكن السلطان الظاهر بيبرس من إضافة وسيلة جديدة عززت مكانة دولة المماليك في مصر والشام ، إذ تمكن بذلك من القضاء التام على الحركات الشيعية التي ظلت تعمل على هدم نظام الحكم السني في مصر وغيرها منذ عهد صلاح الدين .

ويمكن اعتبار هاتين الثورتين سببا مباشرة لقيام السلطان بيبرس بتنفيذ فكرة إحياء الخلافة العباسية ، ونقل مقرها إلى الديار المصرية لتكتسب بذلك دولة المماليك الفتية وعاصمتها صفة شرعية تؤهلها لزعامة المسلمين في المشرق . حين تصبح القاهرة تضم بين جنباتها دار الخلافة العباسية والسلطنة معا . العباسية إلى مقرها الجديد بالقاهرة). وذلك عندما سمع بوصول الأمير أبو القاسم أحمد بن الخليفة الظاهر مع جماعة من العربان فارين من المغول إلى دمشق إذ بعث إلى نوابه بدمشق يطلب منهم القيام بخدمته وتعظيم حرمته ، وتسييره إلى مصر .

                                                 استقدام الخليفة العباسى الى القاهر    

حيث خرج السلطان الظاهر بيبرس من قلعة الجبل يوم الخميس تاسع شهر رجب سنة 659 ه / يونيو ۱۲۹۱م للقائه ، ومعه الوزير الصاحب بهاء الدين بن حنا ، وقاضي القضاه تاج الدين بن بنت الأعز ، وسائر الأمراء ومقدموا العسكر ، وجمهورمن أعيان القاهرة ، ومعظم الناس من الشهود والمؤذنين ، و حتى اليهود بالتوراة والنصارى بالإنجيل »، فسار به السلطان إلى باب النصر ، ودخل القاهرة وقد لبس اشعار العباسي وخرج الناس لرؤيته ، وكان يوما من أعظم أيام القاهرة شق فيه القصبة إلى باب زويلة ، وصعد قلعة الجبل وهو راكب ونزل في مكان جليل هيء له بها، وبالغ السلطان الظاهر بيبرس في إكرامه واحترامه . 

وفي يوم الاثنين الثالث عشر من الشهر نفسه ، حضر قاضي القضاه ونواب الحكم وعلماء البلد وفقهاؤها وأكابر المشائخ وأعيان الصوفية والأمراء ، ومقدموا العسكر ، والتجار ووجوه الناس .. وحضر أيضا شیخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام فمثلوا كلهم بحضرة الأمير العباسي أحمد، وجلس السلطان متأدبا معه « بغیر کرسی ولا طراحة ولا مسند ، وشهد جماعة من العربان والبغاددة الذين قدموا معه بأن الأمير أحمد هو ابن الخليفة الظاهر بن الناصر ، وشهد بالإستفاضة عدد من القضاه ، فقبل قاضي القضاة تاج الدین بن بنت الأعز الشهادة ، وقام على قدميه وأعلن ثبوت نسب ابي القاسم أحمد وانه ابن الخليفة الظاهر ، ثم تقدم وبايع أبا القاسم بالخلافة ،

 تقدم بعده السلطان الظاهر بيبرس فبايعه على العمل بكتاب الله تعالى ، وسنة رسوله ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، وأخذ أموال الله بحقها ، وصرفها في مستحقها ، ثم بايعه بعد السلطان الشيخ العز بن عبد السلام ، ثم الأمراء وكبار رجال الدولة . فلا تمت البيعة قلد الخليفة - الذي لقب المستنصر بالله - السلطان الظاهر بيبرس البلاد الإسلامية ، وما يضاف إليها وما سيفتحه الله على يديه من البلاد ، ثم قام الناس وبايعوا الخليفة المستنصر بالله على اختلاف طبقاتهم ، وكتب بیبرس في الوقت نفسه إلى الملوك والنواب بسائر الممالك الإسلامية ، أن يأخذوا البيعة من قبلهم للخليفة المستنصر بالله أبي القاسم ولما قضى من الخطبة نزل وصلى بالناس الجمعة ، فاستحسن المسلمون منه ذلك واهتم السلطان بأمره .

 ورغم الإحتياطات التي قام بها الظاهر بيبرس ، للتأكد من صحة نسب الخليفة المستنصر بالله ، فإن بعض الناس قد ساوره الشك في صحة نسب الخليفة ، ويبدو هذا التشكك واضحا في الطريقة التي أشار بها بعض المؤرخين إلى الخليفة الجديد ، مثال ذلك ما رواه المؤرخ أبو الفدا في حوادث سنة 659 ه في هذا الشأن حيث قال « في هذه السنة قدم إلى مصر جماعة من العرب ، ومعهم شخص أسود اللون اسمه أحمد زعموا أنه أبن الإمام الظاهر بالله ، ويكرر أبو الفدا اسلوبه في الإشارة إلى الخليفة الجديد فيقول في موضع آخروبرز الظاهر والخليفة الأسودكما يسمى مفضل بن أبي الفضائل هذا الخليفة باسم « المستنصر بالله الأسود  .

محاولة استرداد بغداد من المغول:

على أن الأهم من ذلك هو موقف السلطان بيبرس من الخليفة نفسه حيث تذكر المصادر ، بأن بيبرس شرع في تجهيز الخليفة لاسترداد بغداد وأرجاع الخلافة إليها ، ويقال أن مبلغ ما أنفقه بيبرس في هذا المشروع و ألف ألف دينار وستون ألف دينار عينا  ، وأن الظاهر بيبرس خرج بنفسه مع الخليفة إلى دمشق التي وصلها في ذي القعدة منة 659 ه /۱۲۹۱م. وفي دمشق وسوس له أحد الأمراء وخوفه من منافسة الخليفة له ، وهنا ترك بيبرس الخليفة وأكتفي بأن جهزه بثلاثمائة فارس ، وسار الخليفة بهذا العدد القليل من العسكر إلى العراق وفي الطريق انضم إليه أربعمائه من عرب العراق ، كما انضاف إليه ستون مملوكة من مماليك الموصل، وثلاثون فارسا من عسكر حماه ، وتقدم الخليفة المستنصر بهذا الجيش وعلى الحدود العراقية التقى بمنافسه على الخلافة أبي العباس أحمد - الحاكم بأمر الله  في سبعمائة فارس من التركمان ، واتفقا على العمل معا لإعادة الخلافة العباسية في بغداد ويعبر أبو شامه عن ذلك بقوله « فانصاع الحاكم للمستنصر بسبب أنه الأصغر وذلك الأكبر .


مقتل الخليفة العباسى المستنصر بالله 
وقع الاتفاق وزال الشقاق بينهما  . ثم سار الخليفة إلى عانه ومنها إلى الحديثة ، وخرج يريد بلدة هيت ، فلا وصل إليها أغلق أهل المدينة أبوابها دونه ، فحاصرها حتى افتتحها آخر ذو الحجة سنة 659 ه / اکتوبر ۱۲۹۱ م، ثم رحل عنها وعسكر بالقرب من الأنبار . 


وهناك التقت جيوش المغول بقيادة قرابغا وبهادر بجيوش الخليفة في ۲ محرم سنة 660 ه /۱۲۹۱م ودارت بين الطرفين معركة كبيرة انتهت بانتصار المغول على العباسيين الذين قتل معظمهم ، ولم يفلت منهم سوى الأمير أبو العباس أحمد وبضعة من الأمراء . أما الخليفة أبو القاسم فيقال أنه قتل في المعركة ، . ويقال أنه نجا مجروحة في طائفة من العرب ومات عندهم متأثرا بجراحه.
تعقيب
وبعد هذه الاحداث لنا ان نتسال ما  الذي دفع الظاهر بيبرس إلى تسيير الخليفة الى محاربة المغول ، وتعريضه إلى ما آل إليه ؟! وفي هذا يذكر أحد المؤرخين المحدثين بأن السلطان الظاهر بيبرس بعد أن حقق غرضه وحصل على تقليد بالسلطنة من الخلافة العباسية ، وأضفى على نفسه وعلى ملکه صفة شرعية عاد وأحس بأنه أوجد لنفسه شريكا في الملك ، ذلك أن النقود صارت تضرب باسم السلطان والخليفة معا ، کا صار يدعى للخلافة على منابر الجوامع يوم الجمعة قبل الدعاء للسلطان . ولم يغب عن بال الظاهر بيبرس أنه إذا حدث صدام بينه وبين الخليفة ، فإن الرأي العام في العالم الإسلامي سيقف إلى جانب الخلافة بوصفها السلطة الشرعية الأولى في حكم المسلمين منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لذا بدأ بيبرس يفكر وسرعة في التخلص من الخليفة المستنصر ، بعد أن قضى وطره من الخلافة ، وحصل منها على ما كان يطمع فيه من تفويض بالسلطنة .

                                                                 : تولية خليفة عباسى جديد 

 ومما يدلنا على ذلك أن الظاهر بيبرس نفسه ما أن علم باستشهاد الخليفة المستنصر حتى سارع إلى استدعاء الأمير العباسي أبو العباس أحمد إلى مصر، واستقبله استقبالا حسنا ، وفعل معه " ما فعله مع الخليفة المستنصر من قبل من حيث اثبات النسب ، حيث جلس بالإيوان الكبير بقلعة الجبل إلى جانب السلطان وذلك في ثامن المحرم سنة 661 ه /۱۲۹۲م وقريء نسبه على الناس بعدما ثبت لدى قاضي القضاه تاج الدين بن بنت الأعز ، ولقب بالحاكم بأمر الله ، ولما ثبت ذلك تقدم السلطان بيبرس ومد يده وبايعه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد أعداء الله ، وأخذ أموال الله بحقها وصرفها في مستحقها ، والوفاء بالعهود ، وإقامة الحدود ، وما يجب على الأئمة فعله في أمور الدين وحراسة المسلمين ، ولما تمت البيعة أقبل الخليفة على السلطان وقلده أمور البلاد والعباد ، وفوض إليه سائر الأمور ، ثم أخذ الناس في مبايعته على اختلاف طبقاتهم ، ونقشت السکه باسم السلطان واسمه ، وخطب لها على منابر الشام ومصر ، وقدم اسم الخليفة على اسم السلطان في الدعاء ..

وهكذا أعيدت الخلافة العباسية مرة أخرى إلى البلاد المصرية . ولا شك أن إبقاء الخليفة في هذه المرة في الأراضي المصرية وعدم تسييره إلى العراق ، يدلنا على الرغبةالأكيدة التي جالت في نفس الظاهر بيبرس ، والتي أراد تحقيقها من وراء إحياء الخلافة العباسية ، وهي رغبة سياسية أكثر منها دينية ، إذ أن بيبرس كان يريد زيادة ملكه واتساع سلطانه بمساعدة الخليفة له باعتباره الزعيم الديني ذلك أن « فكرة الزعامة الدينية تعمل في الرؤوس ما لا تعمله أساليب السياسة أيا كان نوعها ، وما لا تناله أسنة السيوف مهما كانت أراقت من دماء 

على اى الاحوال ، فإن الظاهر بيبرس قد حقق للامم الإسلامية في الشرق الإسلامي ما كانت تصبوا إليه ، إذ كانت في ذلك الوقت لا تزال متعلقة بأهداب الخلافة ، ناظرة إلى الخليفة نظرة إكبار وإجلال ، كما كان المسلمون في الوقت نفسه ينظرون إلى من يحقق فكرة إقامة الخليفة بنفس العين التي كانوا ينظرون بها إلى الخليفة نفسه بالرغم من أن الخلافة العباسية التي عاشت في القاهرة طيلة حكم المماليك البحرية والبرجية إلى أن جاء السلاطين العثمانيون وقضوا على دولة المماليك ، لم يكن لها حول ولا طول ، ولا رأي في سياسة الأمور ، وإنما كان عملها مقصور على مباركة سلطة من حصل على السلطنة منهم  .

قرأ ايضا:



تعليقات