سوف نتناول في هذا المقال
التداعيات التي حدثت بعد معركة حطين وانهيار المملكة الصلبية وسقوط مدنها الواحدة
تلو الأخرى كما سنتناول استرداد يت المقدس وما فعله صلاح الدين باهلها .
تداعى المملكة الصليبية واسترداد بیت المقدس:
أخذ صلاح الدين بعد حطين
يسترد البلاد والمدن والحصون الصليبية واحدة تلو الأخرى لأنه لم يبق بهذه المدن
والحصون من الحاميات ما يجعلها تقاوم المسلمين، بعد أن حشد الصليبيون كل فرسانهم
تقريبا، ونحو عشرين ألف من الرجالة في حطين ، فلم تكن حطين مجرد معركة بل كانت
خاتمة استعمار .
وأظهر صلاح الدين برغم انتصاراته روح التسامح والعطف وتمسك بمبادىء الأخلاق
الأمر الذي أطراه المؤرخون في الشرق وفي الغرب وأقروا به وأكدوه ، وأصبحت بیت
المقدس بعد الكارثة في حالة يرثى لها، إذ لم يبق بها سوى النساء والرهبان، وخلت من
المدافعين عنها، غيرأن فارسا كان صلاح الدين قد أطلق سراحه يدعی بالیان الثاني دی
إبلين .
وصل إليها بعد إطلاق سراحه وبعد أن تعهد لصلاح الدين أنه لن يبقى بها سوى ليلة
واحدة ويرحل مع أسرته، إلا أنه تناسی وعوده وبقي بها وراح ينظم أمر الدفاع عنها،
فحشد فلول الفرسان وأبناء الفرسان ممن هم فوق سن الخامسة عشر، فضلا عن الصناع
والتجار القادرين على القتال، وبذل جهدا مضنيا لحفظ المدينة والدفاع عنها ، وعلى
الرغم من كل ذلك إلا أنه لم يكن كافيا لإنقاذ المدينة من مصيرها المحتوم وذلك لنقص
الفرسان المدربين والمحاربين الأشداء، فأصبحت بیت المقدس غنيمة سهلة أمام صلاح
الدين .
والواقع أن عمليات الفتح، لم تكن حرية بالمعنى العسكري المفهوم للكلمة، بل أشبه بنزهة عسكرية، إذ كانت المقاومة ضعيفة ما سهل للمسلمين الانتشار والتقدم، فكانت المدينة أو القلعة تسارع إلى الاستسلام بمجرد وصول المسلمين إليها، وذلك لعدم وجود قوة تدافع عنها، وإذا قاومت، فإن مقاومتها تبدو ضعيفةما .
فتح طبرية
نزل صلاح الدين على طبرية
في اليوم التالي للمعركة، فانتاب إسكيفا، زوجة ریموند الثالث، القلق بعد أن فقدت
الأمل بوصول نجدة تساعدها، فاستسلمت الصلاح الدين، فعاملها بما يليق بها من
الحفاوة والتشريف وأذن لها ولحاشيتها بالتوجه إلى طرابلس .
فتح عکا
اختار صلاح الدين بعد
الانتصار في حطين أن يفتح المدن والحصون المجاورة قبل أن يتوجه إلى بيت المقدس
ليحررها وذلك لتأمين خطوطه الخلفية، وبدأ بعکا فسار إليها يوم الأربعاء (۲۸ ربيع الآخر/۸ تموز).
والواقع أن اختياره يعد
سليما، وقد أظهر بذلك بعد نظر في التفكير العسكري لأنه يحقق للمسلمين هدفين:
الأول : إن فتح عكا ومدن
الساحل أولا، سوف يحرم الصليبيين من قواعدهم البحرية التي تربطهم بأوروبا، فيصبحون
محصورین داخل البلاد فتتساقط عندئذالثاني: إن فتح عكا وغيرها من الموانئ سیمگنه من
تحقيق الاتصال البحري بين شطري دولته مصر وبلاد الشام، مع ما ينتج عن ذلك من تدعيم
موقفه.
كان حاكم عکا جوسلين
الثالث کورتناي أحد الأمراء الصليبيين الذين نجوا من معركة حطين، ويبدو أنه كان
عاجزة عن المقاومة، فلم تكد مقدمة الجيش الأيوبي تقترب من المدينة حتى عرض
الاستسلام مقابل المحافظة على حياة السكان وأمنهم، وقد أثار ذلك بعض سكان
المدينة، لكن الفتنة لم تستمر طويلا).
ومن جهته، وافق صلاح الدين
على عرض جوسلين، ودخل المدينة يوم الجمعة (مستهل جمادى الأولى/ ۱۰ تموز)، واستولى المسلمون على ما فيها من
الأموال والذخائر، وأطلقوا من بها من أسرى المسلمين وعددهم أربعة آلاف، وصلی صلاح
الدين صلاة الجمعة في مسجدها القديم الذي حوله الصليبيون إلى كنيسة، ثم أقطعها
لابنه الأفضل نور الدين على .
أدرك صلاح الدين أهمية
التواصل التجاري بين الشرق والغرب، وهو يأمل فيوغادروها، علما بأن عکا کان تعد من
أكبر المراكز التجارية في آسيا الغربية، واستولی المسلمون على المستودعات بما تحوي
من السلع التجارية، مثل الحرير والمعادن والجواهر والأسلحة، وقد وعها صلاح الدين
على جنده). فتح مدن الجليل
أقام صلاح الدين بظاهر عكا
وأرسل فرقه العسكرية لفتح المعاقل القريبة وكان ينجدها بنفسه في بعض الأحيان،
ففتحت سبسطية ونابلس وتبنين وهونین والناصرة وصفورية وقيسارية، وصمدت صفد وقلعة
كوكب وحصن شقيف أرنون".
وكان صلاح الدين قد وجه رسالة
إلى أخيه العادل في مصر يبشره بالنصر في حطين، ويأمره بالمسير من ناحيته لحصار ما
يليه من المدن والحصون الصليبية ، فهاجم حصن مجدل يابا الذي يقع بين يافا ونابلس
وفتحه، ثم سار إلى يافا نفسها، فقاومته إلا أنها سقطت أخيرة في يده). فتح المدن
الساحلية
وتحرك صلاح الدين على
امتداد الساحل، فهاجم صور التي صمدت في وجهه فتجاوزها إلى غيرها من المدن، ففتح
صرفند وصيدا وظهر أمام بيروت التي استسلمت في (۲۹ جمادى الأولى/6اغسطس)، كما استسلمت جبيل ، ولم ينقض شهر جمادى الآخرة / آب)
حتى لم يبق للصليبيين جنوبي طرابلس سوى صور وعسقلان وغزة وبضع قلاع معزولة
، بالإضافة إلى بيت المقدس . صار صلاح الدين ينتقل من نصر إلى نصر في الفترة
الواقعة بين شهري يوليو وأكتوبر سنة ۱۱۸۷م، وكان لعبقريته أثر كبير فيما أحرزه من نصر، إذ استولى في تلك الفترة على
الناصرة وصفورية والفولة في داخلية البلاد فضلا عن كثير من القلاع والمعاقل
الصليبية مثل سبسطية ونابلس، بينما استولت فرق أخرى على بعض المواني والمدن
الساحلية مثل قيسارية وحيفا وأرسوف من البلاد المجاورة لعكا.
ويبدو أن مسلك صلاح الدين المعتدل تجاه أهل عكا وعطفه وتسامحه قد سهل له الاستيلاء
على كثير من المدن والقلاع، بعد أن اطمأن الصليبيون إلى قلب صلاح الدين الكبير
وتعففه عن سفك الدماءويبدو أن صلاح الدين تخلى عن حذره هذه المرة أيضا عندما منح
الصليبيين، بعد أن فتح المدن والحصون المشار إليها، حرية البقاء فيها أو الخروج
منها، فذهب معظمهم إلى صور، وسرعان ما أدرك أن أمر هذه المدينة غدا صعبا، فتركها
وآثر الانصراف إلى غيرها).
والحقيقة أن صور غدت مرکزة
رئيسة للتجمع الصليبي، ومنطلقا للفرق الصليبية العسكرية لاستعادة ما أمكن من المدن
والحصون. والراجح أن صلاح الدين كان قد خطط لفتح بیت المقدس قبل صور، لذلك فإن
عملية إرسال المقاتلين الصليبيين المغلوبين على أمرهم إلى هذه المدينة الأخيرة،
كان من ضمن خطة عسكرية ، الهدف منها إلهاء الصليبيين بعملية الانتقال وإبعادهم عن
بیت المقدس لإضعاف مقاومة سكانها تمهيدا لفتحها
فتح عسقلان
خرج صلاح الدين من صيدا
قاصدة عسقلان، إذ رأى أن «أمرها أيسر)، فظهر أمام أسوارها في (۱۷ جمادى الآخرة ۲٤ آب))، ويبدو أنه أدرك أن اقتحام
المدينة سيغدو صعبة نظرا لاستحکاماتها المتينة وإصرار أهلها على المقاومة، لذلك
اصطحب معه الملك جاي لوزینان ومقدم الداوية جيرارد، ووعدهما بإطلاق سراحهما إذا
ساعداه بنفوذهما الأدبي والمعنوي على إقناع السكان بالاستسلام، لكن فتح صلاح
الدين، في تلك الأثناء، الرملة ويبنا والداروم والنطرون وبیت جبرين، وهي القلاع
التي كانت بحوزة الداوية في فلسطين . .
وتمكن النقابون بعد عشرة
أيام من الحصار من فتح ثغرة في أحد أسوارها فاضطر السكان إلى الخضوع، وطلبوا
الأمان فمنحوا إياه، وتقرر السماح لهم أن يغادروها على ألا يحملوا معهم سوى
أمتعتهم، فسار بعضهم إلى بيت المقدس، واقتصر على العناصر غير المقاتلة تمشيا مع
خطة صلاح الدين في إضعاف بیت المقدس عسكرية، وغادر البعض الآخر إلى غربي أوروبا عن
طريق الإسكندرية، وتولی الجيش الأيوبي حراستهم".وأطلق صلاح الدين سراح جيرارد
مقدم الداوية مقابل ما أداه من مساعدة ، واحتفظ بالملك جاي لوزینان مسجون، فأعاده
إلى نابلس وأرسل إلى زوجته سیبیلا في بيت المقدس يدعوها للحضور إلى نابلس والإقامة
مع زوجته، إن شاءت، فرځبت بالعرض
وقدمت إلى المدينة
فتح بیت المقدس
تطلع صلاح الدين، بعد أن
فرغ من فتح عسقلان والمدن المجاورة، إلى تحقيق هدفه الأسمى الذي طالما جال بخاطره
وعمل له، وهو تحریر بیت المقدس تمهيدا لطرد الصليبيين من المنطقة، وحتى يقطع
الطريق على احتمال هجوم صليبي بحري ضد الساحل الشامي، أرسل إلى قائد أسطوله حسام
الدين لؤلؤ أن يخرج بأسطوله من مصر لحماية الشواطئ، وبذلك يكون قد ضمن حماية مؤخرة
جيشه البري، وأقفل الحصار على المدينة المقدسة).
وحاول صلاح الدين إجراء
مفاوضات مع سكان بیت المقدس لتسليم المدينة سلمة، إذ كان حريصا على عدم إراقة
الدماء فوق أرضها المقدسة، فدعاهم إلى إرسال وفد للتباحث في الشروط التي بمقتضاها
تستسلم المدينة، ويبدو أن السكان أدركوا أنهم أضحوا محاصرين، فأرسلوا إليه وفدة
اجتمعوحدث أن وصل باليان الإبليني إلى المدينة لإخراج أهله منها بعد أن أذن له
صلاح الدين، فوجدها في حال مزرية ، وقد انهارت معنويات سكانها الفناء محاربيهم في
حطين، فناشدوه أن يمكث معهم ويتولى قيادتهم في الدفاع عنها، ولم يسمحوا له
بالخروج.
وصل صلاح الدين إلى
المدينة في (۱۵ رجب ۵۸۳ه/ ۲۰ أيلول ۱۱۸۷م) وعسكر أمام أسوارها، وقد نظم باليان أمر الدفاع عنها، وتوافر له ستون ألفة
بينوعسكر أمام أسوارها، وقد نظم باليان أمر الدفاع عنها، وتوافر له ستون ألفا بين
فارس وراجل، ولكنهم افتقروا إلى الخبرة والتدريب نظرا لصغر سنهم، علما بأنه نصب کل
صبي تجاوز السادسة عشرة من عمره وانحدر من أصل نبيل، فارسا.
وإذ قبل بالیان بعد تردد،
كتب إلى صلاح الدين يشرح له ظروف إقدامه على انتهاك اليمين التي بذلها، على أن
صلاح الدين الذي اشتهر بالدماثة وحسن الخلق، تصرف مع من بداخل المدينة تصرفأ کریمة
، فبالإضافة إلى عفوه عن بالیان،وأطفالها وحاشيتها مع أمتعتهم، وأرسل حرسا رافقها
إلى صور، كما سمح لغيرها من النساء والأطفال بالخروج من المدينة آمنين، وكرر عرضه
على السكان التسليم بشروط طيبة، لكنهم أصروا على موقفهم الرافض، فقرر عندئذ اقتحام
المدينة عنوة.
وضرب صلاح الدين المدينة
بقذائف المنجنيق، وقاتل أهل بيت المقدس بحمية وكذلك المسلمون، وحدثت ثغرة في السور
الشمالي نتيجة الضرب المتواصل راح النقابون المسلمون يوعونها، ونفذ منها هؤلاء في
(۲٤ رجب / ۲۹ أيلول) إلى داخل المدينة على الرغم من
بسالة المقاومة، ولما رأى السكان شدة القتال وشعروا بأنهم أشرفوا على الهلاك طلبوا
الأمان، وأدى البطريرك هرقل دورة في إقناع باليان بعدم جدوى المقاومة، فأرسلوا
وفدا إلى صلاح الدين من أجل هذه الغاية واشترطوا احترام من في المدينة والسماح لمن
يشاء بمغادرتها .
كانت هذه الشروط هي نفسها
التي سبق لصلاح الدين أن عرضها من قبل على بالیان، لكنه رفض قبولها الآن، لأنه
أوشك على فتح المدينة عنوة ، وقال : لا أفعل بكم إلا كما فعلتم بأهله حين ملكتموه
سنة إحدى وتسعين وأربعمائة من القتل والسبي، وجزاء السيئةودخل صلاح الدین بیت
المقدس يوم الجمعة في (۲۷ رجب / ۲ تشرين الأول) وشاءت الظروف أن يصادف ذلك
اليوم في التاريخ الهجري ذكرى ليلة الإسراء والمعراج، ووضع على أبواب المدينة
أمناء من الأمراء ليأخذوا من الخارجين المال المقرر عليهم؟.
ومن الأمور الملفتة ما حدث
من طلب العادل من أخيه صلاح الدين أن يطلق سراح ألف أسير من الفقراء على سبيل
المكافأة عن خدماته له، مظهرأ بذلك تسامحة كبيرة، فوهبهم له صلاح الدين، وإذ ابتهج
البطريرك لم يسعه إلا أن يطلب من صلاح الدين أن يهبه بعض الفقراء ليطلق سراحهم،
فاستجاب لطلبه، كما وهب باليان خمسمائة أسير ، ثم أعلن أنه سوف يطلق سراح كل شيخ
وكل امرأة عجوز، وذهب بعيدا عندما وعد هؤلاء النسوة بأن يطلق سراح كل من في الأسر
من أزواجهن، ومنح الأرامل واليتامى العطايا من خزائنه، كل واحد بحسب وضعه.
الواقع أن عطف صلاح الدين
وسماحته كانت على نقيض أفعال الصليبيين خلال الحملة الصليبية الأولى، ومع ذلك فقد
وصل عدد الأسرى الذين استرقوا بسبب عجزهم عن دفع المال المقرر عليهم حوالي ستة عشر
ألف أسير ).
ثم دخل إلى المسجد الأقصى
يوم الجمعة (4 شعبان/ ۹ تشرين الأول) وصلى فيه، وشكر الله على توفيقه ونصره .
وظل المسيحيون الأرثوذكس
واليعاقبة في بيت المقدس بشرط أن يدفعوا ضريبة الرأس فضلا عن الفدية المتفق عليها،
وأعفى الفقراء وغير القادرين من كل ذلك . ولا شك بأن هؤلاء استفادوا من طرد
الصليبيين الكاثوليك، إذ أتيحت لهم الفرصة منجديد لاستعادة نفوذهم وهيبتهم على
الأماكن المسيحية المقدسة، لكن صلاح الدين رفض أن يمنحهم حق الإشراف على كنيسة
القيامة وغيرها من الكنائس المسيحية.
وأما اليهود، فقد ابتهجوا
لطرد الصليبيين من بیت المقدس، وعاد عدد كبير منهم إلى المدينة، ولم يمنعهم صلاح
الدين من الإقامة فيها .
وهكذا، ففي مشارف حطين،
وعلى أبواب بیت المقدس، انتقم صلاح الدين من الصليبيين على طريقته الخاصة لما حدث
في الحرب الصليبية الأولى من المهانة والإذلال والمجازر، وأظهر كيف يحتفل القائد
الشريف بانتصاره، وأثبت بالدليل القاطع ما لدى الشرق من قوة وروح کا منة مبرهنة
على أنه كان أعظم شهم، ذا قلب كبير كفاتح في زمانه أو في أي عصر آخر.
حصار صور
صلاح الدين دفعه تسامحه
وعلو خلقه إلى ترك سكان المدن التي استولى عليها أحرارا لهم حق البقاء في مدنهم أو
الاتجاه إلى أي مكان يشاءون ، وكان أن فضل معظمهم الخروج من مدنهم وقلاعهم وقصد
مدينة صور ، فتجمع في تلك المدينة شراذم الصليبيين وحطام مملكة بيت المقدس، فصار
كل من استأمن من الصليبيين يمضي إلى صور وما استولی صلاح الدين على بلد بالأمان
إلا صار أهله في حفظ السلطان حتى يبلغوا صور ، فضلا عمن نزح إليها من اللاجئين ممن
هربوا من معركة حطين من المحاربين وعامة الناس فاستعصت المدينة على الفتح أو
الاقتحام، فتعرض صلاح الدين بسبب ذلك للوم بعض المؤرخين خاصة ابن الأثير الذي حمل
صلاح الدين خطأ هذا العمل، وأرجع المقاومة التي أبداها الصليبيون بعد ذلك لما سلکه
صلاح الدين معهم من اعتدال وما أظهره تجاههم من رحمة
حقق صلاح الدين باسترداد
بیت المقدس إنجازا مهما في طريق القضاء على الكيان الصليبي، غير أنه ما زال في
أيدي الصليبيين مدن ينبغي فتحها، مثل صور وطرابلس وأنطاكية، فضلا عن القلاع
الداخلية التابعة لهم، مثل حصني الأكراد والمرقب، فقرر فتح صور قبل التوجه نحو
الشمال، فزحف إليها يوم الجمعة (9 | رمضان/ ۱۲ تشرين الثاني)، وحاصرها في (۲۲ رمضان/ ۲۰ تشرين الثاني)، وضربها بالمنجنيق، واستعمل مختلف أنواع الأسلحة لاقتحامها لكن
من دون جدوى، فقد صمدت المدينة في وجه الضرب والهجمات الإسلامية، وتولی کونراد دي
مونتفرات عملية المقاومة والدفاع عنها، وفشل صلاح الدين في حمله على الاستسلام
عندما هدده بإعدام والده وليم الأسير في قبضته، فاضطر إلى رفع الحصار
فتح الكرك والشوبك
طلبت ستيفاني، صاحبة إقطاع
ما وراء نهر الأردن، من صلاح الدين أن يطلق سراح ابنها همفري صاحب تبنين. وافق
صلاح الدين على طلبها لكنه اشترط مقابل ذلك تسليمه حصني الكرك والشوبك التابعين
لهذا الإقطاع. وافقت ستيفاني على شرط صلاح الدين، فأفرج هذا الأخير عن أبنها في
حين أوعزت هي إلى حاميتي الحصنين بالاستسلام، غير أنهما رفضنا ذلك ما دفعها إلى
إعادة ابنها إلى الأسر . تجاه هذا التصرف النبيل با دلها صلاح الدين بتصرف أنبل،
فأطلق سراح ابنها وحاصر الحصنين.
استمر حصار الكرك والشوبك
ما يزيد على السنة، تعرض المدافعون عنهما إلىالجوع والعطش، ولم يستسلموا إلا بعد
أن نفدت ذخائرهم، وأكلوا دوابهم، ويئسوا من وصول نجدة تساعدهم على الصمود، وصبروا
حتى لم يبق للصبر مجال»، وحصل ذلك في ربيع الأول 584 ه/ أيار ۱۱۸۸م)). فتوح صلاح الدين في الشمال
بعد فتح المناطق الجنوبية
لبلاد الشام واتصالها
ببقية المناطق الإسلامية ، من أيلة في العقبة في الجنوب حتى بيروت في الشمال
باستثناء صور؛ التفت صلاح الدين إلى الشمال لفتح مناطق السيطرةالصليبية في إمارتي
طرابلس وأنطاكية.
وكان ريموند الثالث
صاحبطرابلس قد توفي کمدة بعد فراره من معركة حطين بوقت قصير، ولم ينجب ذرية، فأوصى
بأن يخلفه الابن الأكبر لبوهيموند الثالث أمير أنطاكية ، ولكن هذه الأخير كان
بحاجةإلى ابنه البكر إلى جانبه للدفاع عن الإمارة ، لذلك استبداله بابن آخر
هوبوهيموند.
اجتاح صلاح الدين البقيعة
بعد أن جاءته إمدادات من سنجار وهاجم حصن الأكراد في ربيع الآخر/ حزيران) وكان
بحوزة الداوية، لكنه جوبه
بقوة استحکاماته ومناعته، فتجاوزه إلى الشاطئ، فهاجم أنطرطوس في أنطاكية، ولم يبق من حصون
تابعة لهذه الإمارة سوى بغراس ودربساك في الشمال وهما تحت حكم الداوية، فهاجمهما
صلاح الدين فاستسلم الأول وأذعن الثاني .
وهكذا أضحت إمارتا طرابلس
وأنطاكية مقصوصتي الجناح، ولم يبق سوى مدينتي طرابلس وأنطاكية فضلا عن ميناء
السويدية، واحتفظ الأسبتارية بحصني المرقب والأكراد كما احتفظ الداوية بأنطرسوس.
نتيجة لما آلت إليه أوضاع
إمارة أنطاكية، التمس بوهيموند الثالث من صلاح الدين عقد هدنة يعترف فيها بفتوحه
كلها، وكانت العساكر الإسلامية قد أصابها الإرهاق بفعل القتال المتنقل والمتواصل،
لذلك وافق على التماسه، وعقدت الهدنة بينهما لمدة ثمانية أشهر"). العودة
مجددة إلى الجنوب
أتاحت هذه الهدنة لصلاح
الدين الالتفات مجددة نحو الجنوب، وبعد أن سح قسما من جيشه هاجم حصني الداوية في
صفد والأسبتارية في كوكب، وفتحهما في شهري (شوال وذي القعدة 584 ه/ كانون
الأول ۱۱۸۸م وكانون الثاني ۱۱۸۹م)).
المصادر
ابن الاثير
الجزء العاشر
ابن شداد
النوادر
السلطانية