الانتصار فى حطين (بداية النهاية للمملكة الصليبية )



معركة حطين



1187م

المقدمة:

ساءت أحوال مملكة بيت المقدس كثيرا وتدهورت صحة الملك بلدوين الرابع، حتى عجز عن الحركة في فراشه ، الأمر الذي أدى إلى تفويضه الوصاية على المملكة سنة ۱۱۸۳م إلى صهره جای لوزجنان، الذي اشتهر بضعف الشخصية وعدم الحكمة في تصريف الأمور ، في الوقت الذي شرع فيه صلاح الدين في مهاجمة المملكة وأخذ يستولي على المواقع والقلاع الصليبية الواحد تلو الآخر ويحرق ويدمر ويقتل ويأسر في الصليبيين توطئة للمعركه الفاصلة.

فقد هاجم أطراف المملكة الصليبية بجيشه الكبير، فانساب في سهل الأردن وتقدم نحو بيسان فأخلاها الصليبيون قبل وصوله، فاستولى عليها صلاح الدين وغنم كل ما خلفه الصليبيون فيها، وأحرق ما لم يستطع أخذه على حد قول المؤرخين المسلمين ، بعد فرار حاميتها والمدافعين عنها " تارکین وراءهم كل ما يملكون " وعائدين إلى طبرية ، في الوقت الذي كان لا يزال فيه الصليبيون تحت قيادة جای لوزجنان قابعين عند نبع الصفورية ولما تقدموا وعبروا الجبال القريبة من الناصرة، وجدوا أنفسهم قريبين من جيش صلاح الدين وقبالته، فاضطروا إلى إقامة معسكرهم قرب موارد المياه دون أن يجرؤا على التقدم لملاقاة جيش صلاح الدين .

جاى لوز جنان


واذا كان صلاح الدين قد حاول في أواخر سنة ۱۱۸۳م الاستيلاء على حصن الكرك لشدة ضرره على المسلمين وكرر المحاولة في سنة ۱۱۸۹م ، فضلا عن إغاراته على بعض جهات فلسطين ومدن وقرى المملكة الصليبية ، كما نشط أسطوله في البحر في هذه الفترة أيضا، فظفر بسفينة تحمل ثلاثمائة من الفرنج، ومعهم السلاح والأموال كانت مرسلة لمساعدة صلیبي الشرق فاستولى عليها ، إلا أن هذه الإغارات لم تؤدي إلى نتيجة حاسمة في الصراع مع الصليبيين حينئذ وإن أدت إلى اتخاذ هؤلاء سياسة الدفاع أمام هجمات صلاح الدين ولكن صلاح الدين أفاد منها كثيرا كما يشير المؤرخون لأنه أشرك في هذه الإغارات لأول مرة جيوشا من كافة أنحاء دولته من مصر ومن دمشق وحلب وآمد وديار بكر والجزيرة وحصن کیفا، فتهيأت لهذه الفرق الفرصة للقيام بأعمال هجومية مشتركة.
والجزيرة وحصن کیفا، فتهيأت لهذه الفرق الفرصة للقيام بأعمال هجومية مشتركة

خطوات ما قبل المعركة :

يشير المؤرخون الحديثون إلى أن صلاح الدين شرع قبل إعلان الحرب الكبيرة على الصليبيين في اتخاذ عدة خطوات أكدت أنه كان يعد دولته لهذه الحرب الفاصلة ويحشد كل طاقاتها للنضال ضد هؤلاء الفرنج، فقد سلك سياسة متوازنة بين العنصرين الرئيسيين اللذين يشكلان عصب جيشه وهما العنصر الكردي والعنصر التركي، فاستطاع أن يحول دون وقوع التنافس أو التخاصم بينهما بفضل حرصه على إرضائهما عند توزيع الاقطاعات والأموال وأن اختص أفراد أسرته بحكم الأقاليم والمدن الهامة وجعل لنوابه وولاته سلطة تكاد تكون مطلقة ، ولكن أمرهم بأن يلتزموا بالعدالة في حكم الرعية، ويعدوا جيوشهم للجهاد عندما يطلب منهم ذلك ويسهموا في نفقات الجهاد.
أما الخطوة الثانية فهي إعادة توزيع الإقطاعات وحكم المدن الهامة والأقاليم بين أفراد أسرته ذاتها، فجعل مصر من نصيب ابنه العزيز عثمان وسحب منها ابن أخيه تقي الدين عمر ومنحه إقطاعات متفرقة في الشام" ، كما عهد بحلب لابنه الآخر الملك الظاهر غازي وأخرج منها أخاه العادل ومنحه إقطاعا في شمال العراق والجزيرة يشمل الرها وحران وميافارفن وغيرها ).

أما الخطوة الثالثة فهي استخدامه لأساليب الدبلوماسية، وكل ما يؤدي إلى عزل الفرنج في الشام، فبذل جهودا لجذب التجار الإيطاليين إلى مصر مستغلا ما يحدث دائما من تنافس بين المدن الإيطالية التجارية جنوا وبيزا والبندقية ، فأنعش موارده الاقتصادية من ناحية وأضعف تجارة الصليبيين من ناحية أخرى، إذ عقد مع البيازنة معاهدات قدموا بموجبها المساعدات لقوات مصر 

وفي نفس الوقت كانت احوال مملكة بيت المقدس تسوء يوما بعد يوم في أواخر عهد ملكها المريض بالدوين الرابع، الذي اضطر تحت ضغط بارونات المملكة إلى تنحية زوج أخته جاي لوزجنان عن الوصاية على المملكة وتوج ابن هذه الأخت من زوجها الأول ويدعی بلدوین الخامس) ملكا في مارس سنة ۱۱۸۰م ، وكان طفلا صغيرا لم يتجاوز السادسة من عمره فعهد بالوصاية عليه إلى ريموند الثالث كونت طرابلس ، فانقسمت المملكة الصليبية بين مؤيد لهذه الخطوة ومعارض لها، وبين مؤيد لجاي لوزجنان ومعارض له، وبين مفضل الوصاية ريموند ومعارض لها، وتساءل البعض : أية جدوى تعود على المملكة من رفع صبي إلى العرش ؟!وأية فائدة ترجى من ذلك للصالح العام؟ فقد أصبح هناك ملكان عاجزين تماما أحدهما طريح الفراش يعاني المرض والآخر طفل غض الحداثة، فأي فائدة ترجى من الاثنين معا

ثم توفى الملك بلدوين الرابع في نفس العام (۱۱۸۰م) ، ولحق به الطفل الصغير بلدوین الخامس في أغسطس سنة 1186م بعد عدة شهور من تتويجه، فتعرضت المملكة لأزمة جديدة وتآمر عدد من البارونات للتخلص من وصاية ريموند، بل وتوجوا سیبل وزوجها جاي لوزجنان" ، وانصاع بقية البارونات لهذا وأقروا بالأمر الواقع، بينما انسحب ریموند مغاضبا دون أن يعترف بجای ملكة واتجه إلى طبرية معتبرة نفسه أحق بالتاج، فعاقبه جاي بانتزاع بيروت من إقطاعاته، لأنه حازها باعتباره وصية على المملكة، بل طالبه بتقديم حساباته بالأموال التي أنفقها أثناء وصايته على المملكة. فأدى ذلك كله إلى ارتماء ريموند في أحضان صلاح الدين .
أسرع بوهيموند الثالث أمير أنطاكية بعقد هدنة منفصلة معه، إما بناء على طلب منه وإما بدعوة من صلاح الدين، ليطمئن على خطوطه الخلفية ويتفرغ للقتال في الجنوب ، ووسع ریموند الثالث مدى اتفاقه مع صلاح الدين مضيفا إليه حماية منطقة الجليل، وبذلك يكون قد فتح الطريق لصلاح الدين للولوج إلى الأردن وفلسطين.
شكلت هذه الهدن ونقضها نقطة الانطلاق الأولى لمعركة حطين، ذلك أن تحالف صلاح الدين مع ريموند الثالث أتاح له مجالا للتدخل في السياسة الداخلية للصليبيين، وأن تجدید تحالفه مع الأميرين الصليبيين حرم مملكة بيت المقدس من مساعدة أقوي إمارتین صليبتين في الشام، وهما إمارة طرابلس وإمارة أنطاكية .

وهكذا نجح صلاح الدين في شق الصف الصليبي، وفي المقابل فإنه نجح في توحيد الصف الإسلامي، فأعد الجيوش الإسلامية في مصر والجزيرة الفراتية والموصل والشام، معنوية وعسكرية، للمعركة التي أرادها أن تكون فاصلة .

رینولد شاتيون ينقض مجددا الهدنة مع المسلمين: 


كانت الأحداث تجري بسرعة في مصلحة صلاح الدين وهو يستغلها، إذ أن تحالفه مع ريموند الثالث أثار غضب رینولد شاتيون الذي كان في هدنة مع صلاح الدين، واشتهر بالتفكير المنفرد، وبفضل ما تنطوي عليه الهدنة من بذل الحماية، صارت القوافل التجارية تتردد بين مصر وبلاد الشام مجتازة الأراضي الصليبية بأمان)، ولا شك بأن ذلك عاد بالفائدة على رينولد شاتيون نفسه نظرا لما يفرضه من ضرائب ومكوس عليها ، كما يبدو أنه لا يستطيع العيش من دون أن ينهب ويسرق، فقام بنقض هدنته مع صلاح الدين في عام (۵۸۲ه/ ۱۱۸۹م) عندما أوقف قافلة تجارية كبيرة مارة بأرض الكرك في طريقها من مصر إلى بلاد الشام، فاستولى عليها وقتل حراسها، وأسر بعض الجند، كما قبض على من في القافلة من تجار وعائلات، وحملهم إلى حصن الكرك.لم تلبث أنباء الاعتداء أن وصلت إلى مسامع صلاح الدين، ولحرصه على احترام المعاهدة، أرسل إلى رينولد شاتيون ينكر عليه هذا العمل، ويتهدده إن لم يطلق سراح الأسرى ويعيد الأموال، غير أن صاحب الكرك رفض استقبال رسله، وعندما وجد صلاح الدين إعراضة من جانب رينولد شاتيون .

 ولقد أحدثت هذه الإغارة رد فعل عنيف في الأوساط الإسلامية، وأفزعت المسلمين عامة، وغضب صلاح الدين وأرسل إلى ملك بيت المقدس يلومه على ما حدث ويوضح له حجم الاستياء الذي عم الأوساط الإسلامية من جراء هذا السلوك والهمجية، ويذكره بالهدنة المعقودة بين الطرفين، ويطلب منه أن يأمر أرناط برد ما سلبه من المسلمين. لبي الملك الصليبي دعوة صلاح الدين لكنه أخفق في الضغط على رينولد.
وهكذا اختار أرناط وقتا عصيبة لاستثارة صلاح الدين، الذي لم يكن أمامه إلا أن يلجأ إلى السلاح، والذي بلغ من شدة غيظه أن أقسم على أن ينتقم من أرناط نفسه بل إنه " أعطي الله عهدا لأن ظفر به ليستبيح دمه " ونذر صلاح الدین نذرة " أن يقتله إن ظفر به ,وبدأ صلاح الدين في تعبئة قوى المسلمين البشرية والمادية استعدادا لخوض معركة كبري، وكتب إلى جميع البلاد يستنفر للجهاد، فأرسل إلى مصر وإلى الموصل وإلى الجزيرة واربل وسائر بلاد الشام يستنفر الناس للجهاد ويحثهم عليه" ، فاستقبل في دمشق العساكر من سائر الجهات وبدأ في تعبئتها.

وعندما اكتملت استعدادات التجهيز، خرج صلاح الدين من دمشق في (محرم ۵۸۳ه/ آذار ۱۱۸۷م) على رأس جيش كبير متوجها إلى الجنوب، فوصل إلى رأس الماء إلى الشمال الغربي من حوران من أعمال دمشق، ثم توجه إلى بصرى قصبة حوران ليستقبل قافلة الحجاج التي كان في عدادها أخته وابنها، ويضمن في الوقت نفسه عدم تعرض رينولد شاتيون لهم لأن التقارير التي وصلت إليه أشارت إلى تربصه بالحجاج".
وبعد أن اطمأن على وصول القافلة وسلامتها شرع في مهاجمة الكرك، وإذ علم رينولد شاتيون بوجوده في المنطقة تراجع إلى حصنه، وكان صلاح الدين قد ترك ابنه الأفضل نور الدين علي في رأس الماء ينتظر وصول العساكر التي استدعاها للجهاد

وأطلع ريموند الثالث فرسان الداوية والأسبتارية المرافقين لأعضاء الوفد، وكانوا قرب صفورية، بدخول قوة إسلامية إلى المنطقة، فاستعدوا بسرعة لمواجهتها ، ومن المؤكد أن هذا القرار يخالف رأي ریموند الثالث، وحدث اللقاء عند عين الجوزة بين صفورية وكفر كنة قرب حطين، وأسفر عن انتصار المسلمين، وقتل الكثير من فرسان الصليبيين كان من بينهم روجر مقدم الأسبتارية، ونجا جيرارد دي ردفورت مقدم الداوية وباليان الإبليني ورينولد صاحب صيدا، وعندما توجهت قوة صليبية إلى صفورية لنجدة إخوانهم كانت المعركة قد انتهت.


ويبدو أن ريموند الثالث ندم بعد ذلك على السماح لعسكر صلاح الدين بدخول أراضيه، كما أن الخسارة أثرت ماديا ومعنوية على قوة الصليبيين العامة، وتهدده بطريرك بیت المقدس بالحرمان وبفسخ زواجه، فنفض يده من اتفاقه السابق مع صلاح الدين، وأسرع بالدخول في طاعة الملك، ورضي أن يسير تحت رايته لحرب المسلمين ، ويعد هذا الاصطدام مقدمة للاصطدام الثاني في حطين .
افاق الصلبيون وعاد زعماؤهم إلى رشدهم، فدخل ریموند الثالث أمير طرابلس في طاعة الملك جاي لوزجنان ، ونقض الهدنة مع صلاح الدين وأعلن استعداده للإسهام في إنقاذ المملكة الصليبية ، فاجتمعت كلمة الصليبيين بعد فرقتهم ، الاستعدادات التي سبقت المعركة

اختار الصليبيون صفورية قرب عكا مكانا لتجمعهم، وحملوا معهم صليب الصلبوت تبركا، وعندما علم صلاح الدين أن ریموند الثالث نقض الهدنة والاتفاقية المعقودة معه، غادر الأردن مسرعا في سير متواصل إلى أن وصل إلى عشترا في حوران، فاجتمع مع ابنه الأفضل، وشاهد جيوشه البالغ عدد أفرادها اثني عشر ألفا من الفرسان بالإضافة إلى المشاة والمتطوعة، مجتمعة، فعبأها استعدادا لخوض المعركة، ثم توجه إلى طبرية يوم الجمعة في (۱۷ ربيع الآخر/ ۲۹ يونية)، وكان يقصد بوقعاته أيام الجمع، لا سيما أوقات الصلاة تبركا بدعاء الخطباء على المنابر فربما كانت أقرب إلى الإجابة»
وبعد أن أقام في الأقحوانة على الطرف الجنوبي لبحيرة طبرية مدة خمسة أيام، ارتحل عنها باتجاه الغرب للوصول إلى قرية الصنبرة الواقعة عند التلال المحيطة بالمنطقة القريبة من بحيرة طبرية .
رحل صلاح الدين على راس جيشه إلى طبرية، وهي من أملاك ريموند فاقتحم المدينة، واستولى عليها في ۲ يوليو سنة ۱۱۸۷م ، إلا أن قلعتها عزت عليه واحتمت بها زوجة ريموند، فأشعل المسلمون الحرائق في المدينة وامتدت الأيدي بالنهب إلى ما فيها.

عقد الصليبيون مجلسا للحرب في عكا، وأصدر الملك قرارا عاجلا بالتعبئة العامة لكل الرجال القادرين على حمل السلاح، وحشد الاسبتارية والداوية معظم فرسانهم، ولم يخلفوا في قلاعهم إلا عددا ضئيلا، وبذل الداوية ما سبق أن اختصوا به من الأموال التي أرسلها ملك إنجلترا هنري الثاني، للإنفاق منها والاستعداد للقتال ضدالمسلمين .
الواقع أن خطة صلاح الدين أحدثت ارتباكا داخل القيادة الصليبية، ودفعت الملك جاي لوزینان إلى عقد مجلس الحرب للتشاور في تحديد الخطوة التالية، وكان الصليبيون آنذاك بصدد إحدى خطتين :
الأولى : هجومية، تقدم بها رينولد شاتيون، وتقضي بالقيام بهجوم عام ضد قوات صلاح الدين والاشتباك مع العدو في معركة حاسمة.
الثانية : دفاعية، تقدم بها ریموند الثالث، الخبير بطبيعة المنطقة الجغرافية وبتوجه المسلمين العام، فقد نصح الملك بألا يتحرك من موضعه، بل إنه طلب منه أن يرتد إلى المدن الساحلية الحصينة وأن يترك صلاح الدين يجتاز الهضبة، وأشار بأن الصليبيين آمنون في صفورية الغنية بالماء، ويعسكرون في مكان مرتفع يصعب وصول القوات الإسلامية إليه من دون أن يتكبدوا خسائر فادحة أو هزيمة، كما أنها تقع في قلب المملكة اللاتينية على مقربة من عكا والساحل بحيث تصل إليها الإمدادات بسهولة، وأن الجيش الذي يهاجم في حرارة الصيف اللافحة، لن تكون الأحوال في صالحه، وأن المسلمين لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا بعد استيلائهم على طبرية، إذ لن يكون بوسع صلاح الدين أن يبقي على قواته الضخمة مدة طويلة في ظل أجواء الحرارة اللافحة، وسوف ينسحب بعد مدة وجيزة إذا لم يستفزه الصليبيون، لذلك


لكن كلا من رینولد شاتيون وجيرارد مقدم الداوية المشهور بعدائه لريموند الثالث؛ رفضا خطة هذا الأخير الدفاعية، بل إنهما اتهماه بالجبن، وأصرا على القيام بهجوم عام على القوات الإسلامية، ونجحا في إقناع الملك بالأخذ برأيهما .
بلغ عدد جيش الصليبيين نحو عشرين ألف مقاتل، على الرغم من أن طرابلس وأنطاكية لم تسهما إلا بعدد قليل من الجند، لخوفهما من هجمات المسلمين في الشمال وعلى الرغم أيضأ من أن المصادر الإسلامية بالغت كثيرا في أعداد جيش الصليبيين، فذهب بعض المؤرخين المعاصرين إلى أنها بلغت بين ثلاث وعشرين ألف وستين ألف مقاتل ، وتجمعت هذه القوات كلها في صفورية قرب عكا .
ويبدو أن هجوم صلاح الدين على طبرية كان جزءا من خطته لإجبارهم على المسير إليه ، فقد قرر الصليبيون المسير إليه عند طبرية ، على الرغم من معارضة ريموند الثالث لخطورة هذا الزحف بسبب وعورة الطريق وقلة الاء في تلك الأرض القاحلة وحرارة الجو في شهر يوليو في الوقت الذي كان فيه صلاح الدين ورجاله ينتظرون عند طبرية وقرب المياه الوفيرة ومنعمين بالظل الوارف مدخرین قواهم لساعة الفصل، وما لبث صلاح الدين أن تقدم نحو قرية حطين حيث المراعي الخصبة والماء الوفير" فأقام معسكره بالاقحوانه قريبا من تل له قمتان عرف بقرون حطين وهو الموضع الذي دارت فيه المعركة التي اشتهرت في التاريخ بمعركة حطين" في موضع اختاره صلاح الدين بنفسه ليكون مسرحا للحرب مع الصليبيين"


تل حطين

:المعركة 

اكتشف الصليبيون، في صباح يوم السبت (۲۶ ربيع الآخر ۵۸۳ه/۳ تموز ۱۱۸۷م)، بأنهم محاصرون بعيدة عن المياه، فنزلوا مسرعين إلى قرون حطين، وهناك دارت رحى معركة رهيبة انتصر فيها الجيش الإسلامي انتصارا عظيما، وهاجمت في بداية المعركة قوة صليبية، بقيادة ريموند الثالث، المسلمين في محاولة الاحتلال الممر المؤدي إلى قرية حطين حيث بعض ينابيع الماء والآبار، فانفصلت عن باقي الجيش الذي كان يتبعها، وعندما وصل أفرادها إلى الممر وجدوا أنفسهم مطوقين من جانب المسلمين، فحاولوا شق طريق لهم عبر صفوفهم، لكن الرماة رشقوهم بالنبال، فلقي عدد كبير منهم مصرعه على الفور في حين وقع آخرون في الأسر. .

 .
وفي الوقت الذي كان فيه ريموند الثالث مطوف كان قلب الجيش بقيادة الملك يستعد للقتال، وعندما بدأ الالتحام، نقذ فرسان الداوية والأسبتارية هجوما قويا ، وقتلوا بعض المسلمين، وتسببوا في انسحاب البعض الآخر، إلا أنهم لم يستثمروا انتصارهم الجزئي هذا لأن المشاة قصروا في مجاراة الفرسان لأنهم كانوا مرهقين، وانسحبوا إلى تلة هي إحدى قرون حطين، ويلاحظ أن انهيار المشاة يعد سببة بارزة في تراجع القوة الصليبية وتفكك الجيش. حاول الملك أن يعيد الثقة إلى نفوس المشاة ويردهم إلى مواقعهم لكنه فشل، ومع انسحاب المشاة انكشف قلب الجيش الذي تعرض الضربات المسلمين

 ولم يستطع أفراده الرد عليها لأنهم كانوا هم أيضا مطوقین بالمسلمين، ففقدوا حرية الحركة والانتشار الضروريين لخوض معركة ناجحة. وفي الصباح يوم 4 يوليو سنة ۱۱۸۷م وجد الصليبيون أنفسهم وقد أحاط بهم المسلمون من كل جانب تحت ستار الظلام إحاطة تامة، ثم بدأ هجوم المسلمين عليهم وهم عطشي متهالكين واشتد القتال، وأدرك المسلمون - في نفس الوقت - أنه لا ثالث أمامهم إما النصر أو الشهادة ، فاستماتوا في القتال وشددوا هجماتهم، فلم يصمد الصليبيون أمامهم كثيرا " فأخذتهم سهام المسلمين وكثرت فيهم الجراح ووسط تلك الشدة التي عاناها الصليبيون أدرك ريموند الثالث أمير طرابلس أن الكارثة قد حلت بالصليبيين ، فبادر بالهرب مع رجاله ، وفتح له المسلمون طريق

وظل فرسان الداوية والأسبتارية يقاتلون في الوقت الذي فقدوا فيه الأمل بأي انتصار، فأمر صلاح الدين ابن أخيه تقي الدين عمر أن يهجم مع خالته على الصليبيين الذين تضعضعت صفوفهم، واختل نظام جيشهم، وأشعل المسلمون خلال ذلك النيران في الأعشاب الجافة، والأشواك، فحملت الريح لهيبها ودخانها باتجاه الصليبيين، فزادت من معاناتهم، فاجتمع عليهم العطش وحر الزمان والنار والدخان والسيوف، وأدى ذلك إلى فرار من بقي منهم على قيد الحياة، من ساحة المعركة إلى إحدى قرون حطين حيث شاهدوا تقي الدين عمر يقبض على صليب الصلبوت، فأسقط في أيديهم، وكانت تلك أكبر كارثة تكبدوها

صلاح الدين بعد المعركة  

وتجمع بعض الفرسان حول خيمة الملك لشن هجوم مضاد، لكن صلاح الدين عاجلهم بالهجوم، فاندفع المسلمون الذين صعدوا إلى التلة التي صبت فوقها الخيمة وأنهوا المعركة، فأسروا كل من كان حول الملك، وفيهم الملك نفسه وأخوه ورینولد شاتيون وجماعة من الداوية والأسبتارية، وكثر القتل والأسر فيهم.
سيق الأسرى إلى خيمة صلاح الدين التي أقامها في مكان المعركة، فاستقبل الملك والأمراء بلطف وبشاشة، وأجلس الأول إلى جانبه وقد أهلكه العطش، فسقاه جلابة مثلجة، فشرب منه وأعطى ما تبقى إلى رينولد شاتيون الذي كان إلى جانبه، ووفقا لتقاليد الضيافة العربية متي جرى بذل الطعام أو الشراب للأسير فإن ذلك يعني الإبقاء على حياته، ولذا بادر صلاح الدين إلى القول: «إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فيناله أماني» ثم التفت إلى رينولد شاتيون الذي لم يغفر له ما ارتكبه من أعمال السلب والنهب وانتهاك الحرمات المنافية للدين، وأخذ يذگره بجرائمه وخيانته وغدره، ثم قام إليه وضرب عنقه بنفسه، فارتعد الملك، وظين أنه سوف يحل دوره، غير أن صلاح الدین سگن جأشه وأمنه وقال له: «إن الملك لا يقتل ملكة، وإنما هذا فإنه تجاوز الحد، فجرى ما جرى»، ثم أصدر أوامره بألا يتعرض الأمراء للأذى، غير أنه لم يود أن يبقي على حياة الأسرى من الفرسان الرهبان الداوية والأسبتارية فأجهز عليهم، وسيق الأسرى إلى دمشق، فتهيأت للأمراء أسباب الراحة في حين تقرر بيع الأسرى الفقراء في سوق الرقيق


المصادر 

ابن الاثير                الكامل فى التاريخ الجزء العاشر ،،

ابن شداد            النوادراليوسيفية والمحاسن السلطانية

محمد طقوش         تاريخ الحروب الصليبية




تعليقات