سقوط بغداد على يد المغول (انهيار الخلافه العباسية)




تحرك الجيوش المغولية نحو بغداد:


 بعد أن قضي هولاكو على طائفة الإسماعيلية، سار لتحقيق هدفه الثاني، الذي رسمه له أخوه منکو خان، وهو الاستيلاء على بغداد، والقضاء على الخلافة العباسية، التي أدركتها الشيخوخة وظهرت عليها مظاهر الضعف والانهيار، والواقع أن جذور الضعف والتفكك قد امتدت إلى جسم الخلافة العباسية قبل مجيء المغول بمدة طويلة بسبب عوامل كثيرة ذكرنا بعضها في ما مضي، وسنذكر البعض الأخر بإذن الله تعالى. لقد تفككت الروابط القوية التي كانت تربط الخلافة العباسية بمختلف الأمصار الإسلامية، حيث نشات دول عديدة وإمارات مستقلة في قلب الخلافة العباسية وأطرافها، وعندما بدا المغول زحفهم على الممالك الإسلامية في الشرق كان الخليفة العباسي في ذلك الوقت هو المستعصم بالله (640/ 242 1م - 656ه / 1258م)

 سير الحملة إلى بغداد: 


بعد أن حقق هولاکو خان هدفه الأول، وهو القضاء على طائفة الإسماعيلية، سار لتحقيق هدفه الثاني وهو القضاء على الخلافة العباسية ،
بعد ذلك عقد هولاکوخان النية على فتح بغداد ، فأمر بأن تتحرك جيوش جرماغون وبانجونويان الذين كانت معاقلهما في بلاد الروم ، وأن تسير على الميمنة إلى الموصل عن طريق اربيل ، ثم تعبر جسر الموصل، وتعسكر في الجانب الغربي من بغداد وذلك في وقت معين ، حتى إذا قدمت الرايات من المشرق ، تخرج إليها من تلك الناحية . وعندما بلغ أسد آباد ، أوفد رسولا لدعوة الخليفة مرة أخرى للحضور ، فكان يماطل ويتعلل ، ووصل ابن الجوزي إلى دینور للمرة الثانية قادما من بغداد، يحمل رسالة بالوعد والوعيد، وملتمسا أن يعود هولاکوخان ويتراجع، في مقابل أن يسلم الخليفة للخزانة ، كل مايقرره هولاکوخان. فظن هذا أن الخليفة يريد من وراء عودة الجيوش، أن يعد جنده وهيئتهم لمقاومة المغول ، فقال : : وكيف نترك زيارة الخليفة ، بعد كل ماقطعناه من هذا الطريق . سوف نعود بإذنه بعد الحضور للقائه والتحدث معه .

وفي رمضان سنة (655 / 1257م )ارسل هولاكو رسولا إلى الخليفة رساله في قالب من التهديد والوعيد جاء فيها: لقد ارسلنا إليك رسلنا و فتحنا قلاع الملاحدة وطلبنا مدد من الجلد، ولكنك اظهرت الطاعة ولم نبعث الجند، وكانت آية الطاعة والاتحاد أن تمدنا بالجيش عند مسيرنا إلى الطغاة، فلم ترسل إلينا الجند والتمست العذر، ولا بد أنه قد بلغ سمعك على لسان الخاص والعام، ما حل بالعالم والعالمين على يد الجيش المغولي، منذ عهد جنكيز خان، إلى اليوم، والذي حاق باسر الخوارزمية والسلجوقية وملوك الديالمة والأنابكية وغيرهم ممن كانوا ذوي عظمة وشوكة، وذلك بحول الله القديم الدائم، ولم يكن باب بغداد مغلفة في وجه أية طائفة من تلك الطوائف، واتخذوا منها قاعدة ملكا لهم، فكيف بغلق في وجهنا رغم مالنا من قدرة وسلطان؟ 

ولقد نصحناك من قبل، والآن نقول لك: احذر الحقد، والخصام ولا تضرب المخفف بقبضة يدك، ولا تلطخ الشمس بالوحل نتعب، ومع هذا فقد مفي ما مضى، فإذا اطاع الخليفة ، فليهدم الحصون ويردم الخنادق، ويسلم البلاد لابنه، ويحضر لمقابلتنا، وإذا لم يرد الحضور فيرسل كلا من الوزير وسليمان شاه، والدويدار، ليبلغوه رسالتنا دون زيادة أو نقصان، فإذا استجاب لأمرنا فلن يكن واجبنا أن نكن له الحقد، وسنبقي له على دولته وجيشه ورعيته، أما إذا لم يصغ إلى النصح وآثر الخلاف والجدال، فليبين الجند وليعين ساحة القتال، فإننا متأهبون لمحاربته وواتفون له على استعداد، وحينما اقود الجيوش إلى بغداد، مندفعة بثورة الغضب، فإنك لو كنت مختفية في السماء أو في الأرض، ، ، فسوف انزلك من الفلك الدوار، وسوف القبك من عليائك إلى أسفل کالاسد، ولن أدع حيا في مملكتك، واجعل مدينتك بإقليمك واراضيك طعمة للنار، فاذا اردت ان تحفظ راسك واسرتك فاستمع لنصحي بمسمع العقل والذكاء، وإلا ناری کیف تكون إرادة الله.

ورفض المستعصم بشدة ورد على هولاكو برسالة كلها احتقار قال فيها: ايها الشاب الحدث... المتمني قصر العمر، ومن ظن نفسه محبطة ومتغلبة على جميع العالم مغترة في يومين من الإقبال، متوهمة أن أمره فضاء مبرم، وامر محكم، لماذا تطلب مني شيئا لن تجده؟ ألا يعلم الأمير أنه من الشرق إلى الغرب وأنه من الملوك إلى الشحاذين ومن الشيوخ إلى الباب ممن يؤمنون بالله ويعملون بالدين، كلهم عيد هذا البلاط وجنود لي؟ إنني حينما أشير بجمع الشتات سابدا بحسم الأمور في إيران ثم أتوجه منها إلى بلاد توران، وأضع كل شخص في موضعه، وعندئذ سيصير وجه الأرض مملوءة بالقلق والاضطراب، غير أني لا أريد الحقد والخصام ولا أن أشتري ضرر الناس وإيذائهم، كما أنني لا أبغي من وراء تردد الجيوش أن تلهج السنة الرعية بالمدح أو القدح، خصوصا وأنت مع الخاقان هولاکو خان قلب واحد ولسان واحد، وإذا كنت مثلي تزرع بذور المحبة فما شائك بخنادق رعيني وحصونهم، فاسلك طريق الرد وعد إلى خراسان، وإن كنت تريد الحرب والقتال، فلا نتوان لحظة ولا تعتذر، إذا استقر رأيك على الحرب، إن لي ألونة مؤلفة من الفرسان والرجالة وهم يتأهبون للقتال، وإنهم يثيرون الغبار من ماء البحر وقت الحرب والطعان".

وصل رسل الخليفة إلى هولاكو، فلما اطلع هذا على رسالة الخليفة، وعلم بما لحق رسله من  العامة في بغداد، غضب غضبا شديدا، وأعاد رسل المستعصم،وحملهم رسالة أخرى تتضمن إنذارة نهائية له، صيغ في لهجة شديدة عنيفة، إذ يقول: لقد فتنك حب الجاه والمال، والعجب والغرور بالدولة الفانية، بحيث أنه لم يعد يؤثر فيك نصح الناصحين بالخير، وإن في أذنيك وقرأ فلا تسمع نصح الشفتين، وقد انحرفت عن طريق آبائك وأجدادك، وإذن فعليك أن تكون مستعدة للحرب والقتال فإني متوجه إلى بغداد بجيش كالنمل والجراد، ولو جری سیل الفلك على شاكلة أخرى فتلك هي مشيئة الله العظيمة، وقبل أن يقدم هولاكو على غزو بغداد، استشار المنجمين، فيما يتعلق باحكام النجوم والطالع السعد والنحس، أما الفلكي حسام الدين الذي جاء برفقة هولاكو من قبل خان المغول الأعظم منکو خآن، فقد كان  يعطف على الخليفة .

العباسي ويحرص على أن يمنع هولاكو من الإقدام على غزو بغداد، فراح يؤكد له أن هذه الحملة تحدث خلالا في نظام الكون، فضلا على أنها سوف تكون وبالا على الخان نفسه، فكان مما قاله له: الحقيقة أن كل ملك تجاسر - حتى هذه اللحظة . على قصد الخلافة والزحف بالجيش على بغداد لم يبق له العرش ولا الحياة، وإذا أبي الملك أن يستمع إلى نصائحي، وتمسك بمشروعه فسينتج عنه سنة مصائب کبیرة.

واما الأمراء فقد قالوا: إن الذهاب إلى بغداد هو عين المصلحة، وبعد ذلك استدعى هولاکو خان نصير الدين الطوسي، لاستشارته، ولما كان يكره الخليفة ، ويعمل على إسقاطه، فقد نقض كل ما قاله حسام الدين، وطمان هولاكو بانه لا توجد موانع تحول دون إقدامه على الغزو، ولم يقف عند هذا الحد، بل اخد باید وجهة نظره بالحجج القوية التي تكذب نبوءة حسام الدين، فذكر أن الكثيرين من أصحاب الرسول ماتوا في الدفاع عن الدين، ومع ذلك لم تقع أية كارثة ، وإذا قيل أن ذلك خاص ببني العباس، فإن الكثير من الناس قد خرجوا على هذه الأسرة وقتلوا منهم بعض الخلفاء، دون أن يحدث أي خلل، وأخذ نصير الطوسي يتمثل بطاهر بن الحسين قائد المأمون الذي قتل محمد الأمين، والأمراء الذين قتلوا المتوكل والمنتصر والمعتز وغيرهم.

حصار بغداد:


وعلى إثر ذلك أصدر هولاكو امره بان تتحرك جيوش المغول من أطراف بلاد الروم عن طريق إربل والموصل متجهة نحو بغداد لتحاصرها من الجهة الغربية، وتنتظر حتى تصل إليهم جيوش هولاكو من الناحية الشرقية، أما كيتوبوقا احسن قواد هولاكو فقد اتجه بالجناح الأيسر إلى العاصمة العباسية عن طريق لورستان، وخوزستان، كما أنفذ إليها بعض امراء المغول عن طريق کردستان الحالية، وفي اوائل المحرم سنة 625 / 1257م نزل هولاكو من همذان إلى دجلة عن طريق کرمانشاه وحلوان، وكان معه في تلك الغزوة الأمير أرغون والخواجه نصیر الدين الطوسي والوزير سيف الدين البينكجي ، وعلاء الدین عطاء الجويني، وقد استطاع هولاكو أن يستميل إلى جانبه سكان الأماكن الجبلية المتاخمة للعراق بواسطة الأموال التي كان يبذلها لهم، كما 

استطاع أن يضم إليه الكثير من جنود سليمان شاه). وكان بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، والاتابك ابو بكر في إقليم فارس ممن امدوا هولاكو بالمال والرجال، ولما انتهى حشد القوات المغولية وأقام هولاكو معسكره في ظاهر بغداد من الرق، حاول الجيش الذي أعده الخليفة بقيادة مجاهد الدين أيبك



 الدويدار الصغير أن يحول دون استقرار المغول في أماكنهم، فكان نصيبه الهزيمة المنكرة، وقتل عدد كبير من الجنود لقوا حتفهم على يد المغول، فلم يسع مجاهد الدين إلا الحرب مع قليل من أتباعه، وفي يوم الثلاثاء 22 من المحرم 656 / 1258م أحكم الحصار حول مدينة بغداد، واستمر حتى نهاية هذا الشهر، وفي خلال تلك الفترة كان المغول يطلقون بد التخريب في المدينة، ويفتحون الأبراج حتى استولوا بهجماتهم على القسم الشرقي من التحصينات.وبعث الخليفة برساله الى هوكو يستعطفة بوقف الهجوم مع ابن العلقمى
« إن الملك قد أمر بأن أبعث إليه بالوزير ، وها أنا ذا قد لبيت طلبه و فينبغي أن يكون الملك عندكلمته .

فرد هولاكو قائلا :
« إن هذا الشرط طلبته وأنا على باب همدان . أما الآن فنحن على باب بغداد ، وقد ثار بحر الاضطراب والفتنة ؛ فكيف أقنع بواحد؟ ينبغي أن ترسل هؤلاء الثلاثة يعني الدواتدار وسليمان شاه والوزير»
ثم ذهب الرسل إلى المدينة . وفي اليوم التالي خرج إلى هولاكو، الوزير وصاحب الديوان ، وجمع من المعارف والمشاهير ، ولكنه أعاد هم . وقد دارت حرب طاحنة مدة ستة أيام . ثم أمر الملك بأن يكتب ستة منشورات؛ تفيد بأن۔ القضاة والعلماء والشيوخ والسادات والتجار ، وكل من لايحاربنا، لهم الأمان منا، ور بطوا هذه المنشورات بالنيال ، وألقوها على المدينة من جوانبها الستة. ولما لم تكن توجد حجارة المجانيق في أطراف بغداد ، فإنهم كانوا يأتون بها من جيل الحمرين وجلولاء ، وكانوا يقطعون النخيل ، ويرمون بقطعها بدلا من الحجارة .


وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من الحرم ، هدم المغول برج العجمي . وفي يوم الاثنين الثامن والعشرين"، وحيث كان يقف هولا کو، تسلق
جنود المغول السور عنوة ، وطهروا أعالي الأسوار من الجند. لكنهم لم يتسلقوا الأسوار من ناحية سوق السلطان ، بعد ذلك أمرهولاکو خان بأن يقيموا جسرافي أعلى بغداد، وآخر في أسفلها وأن يعدوا السفن ، وينصبوا المجانيق ، ويعينوا المستحفظين ،

 وكان بوقا تیمور قد رابط مع عشرة آلاف جندي على طريق المدائن والبصرة، ليصد كل من يحاول الهرب بالسفن . ولما حمي وطيس الحرب في بغداد ، وضاق الحال على الأهالي ، أراد الدواتدار أن يركب سفينة ، وأن يهرب إلى ناحية « سیب » . ولكنه بعد أن اجتاز قرية « العقاب»، أطلق جند بوقا تیمور حجارة المنجنيق والسهام وقوارير النقط ، واستولوا على ثلاثة سفن ، وأهلكوا من فيها، وعاد الدواتدار منهزما .
فلما وقف الخليفة على تلك الحال ، ياس نهائيا من الاحتفاظ ببغداد ، ولم ير أمامه مفرا ولا مهربا قط، فقال :

سأسلم وسأطيع . ثم أرسل فخر الدين الدامغاني وابن در نوش، مع قليل من التحف إلى هولاگو ، زاعما أنه لو بعث بالكثير ، لكان ذلك دليلا على خوفه فيتجرأ العدو ، فلم يلتفت هولاكو إلى هذه الهدايا ، وعادا محرومين . وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من الحرم خرج من بغداد (للقاء هولاكو)، أبو الفضل عبد الرحمن بن الخليفة الثاني، بينما ذهب الوزير إلى المدينة ، وكان صاحب الديوان وجماعة من العظماء مع أبي الفضل ، وقد حملوا أموالا كثيرة ، فلم تقبل منهم أيضا . وفي غد ذلك اليوم، آخر المحرم خرج ابن الخليفة الأكبر.

مفاوضات النهاية: 


ولما راى الخليفة حرج موقفه، أراد أن يهادن المغول ويثنيهم عن عزمهم على إتمام الفتح وذلك بإرسال الرسل والهدايا، ولكن هولاكو لم يستجب لهذا النداء ، ولجا الخليفة إلى صديقه مؤید الدين العلقمي الشيعي وساله : ماذا يفعل؟ وأشار إليه الوزير أن يخرج لمقابلة هولاكو بنفسه لكي يجري معه مفاوضات، وذهب الرسل إلى هولاكو تخبره بقدوم الخليفة، نامر هولاكو أن باتي الخليفة ولكن ليس وحده، بل عليه أن يأتي معه بكبار رجال دولته، ووزرائه وفقهاء المدينة، وعلماء الإسلام، وأمراء الناس والأعيان، حتى يحضروا جميعا المفاوضات وبذلك تصبح المفاوضات . كما يزعم هولاكو - ملزمة للجميع.

 وجمع الخليفة كبارقومه، وخرج بنفسه في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو خارج الأسوار الشرقية البغدادی خرج وقد تحجرت الدموع في عينيه، وتجمدت الدماء في عروقه، وتسارعت ضربات قلبه، وتلاحقت أنفاسه، لقد خرج الخليفة ذليلا مهينا، وهو الذي كان يستقبل في قصره وفود الأمراء والملوك، وكان اجداده الأقدمون يقودون الدنيا من تلك الدار التي خرج منها الخليفة الآن، وكان الوفد كبيرة يضم سبعمائة من أكابر بغداد، وكان فيهم بالطبع وزیره مؤید الدين العلقمي، واقترب الوفد من خيمة هولاكو، ولكن قبل الدخول على زعيم التتار اعترض الوفد فرقة من الحرس الملكي التتاري، ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو بل قالوا: إن الخليفة سيدخل ومعه سبعة عشر رجلا فقط، أما البانون فسيخضعون - كما يقول الحرس - للتفتيش الدقيق، ودخل الخليفة ومعه رجاله.

وحجب عنه بقية الوفد، ولكنه لم يخضعوا لتفتيش أو غيره، بل أخذوا جبعة... للقتل و قتل الوفد بكامله إلا الخليفة والذين كانوا معه، قتل کبراء القوم، ووزراء الخليفة، واعيان البلد، وأصحاب الرأي، وفقهاء وعلماء الخلافة العباسية، ولم يقتل الخليفة لأن هولاكو كان يريد استخدامه في أشياء أخرى، وبدا هولاكو يصدر الأوامر في عنف وتكبر واكتشف الخليفة أن وفده قد قتل بكامله وعرف ان التتار وامثالهم لا عهد لهم ولا أمان ولا يرون في مؤمن إلا ولا ذمه، وصدرت الأوامر من هولاكو إلى الخليفة. على الخليفة أن يصدر اوامره لأهل بغداد بإلقاء أي سلاح، والامتناع عن ايمقاومة، وقد كان ذلك أمرا سهلا، لأن معظم سكان المدينة لا يستطيعون حمل السلاح، ولا يرغبون في ذلك أصلا 

يقيد الخليفة العباسي، ويساق إلى المدينة، يرسف في أغلاله، وذلك لكي بدلالتتار على كنوز العباسيين، وعلى أماكن الذهب والفضة والتحف الثمينة وكل ماله قيمة نفيسة في قصور الخلافة وفي بيت المال". ج. يتم قتل ولدي الخليفة أمام عينيه، فقتل الولد الأكبر أحمد أبو العباس وكذلك قتل الولد الأوسط عبد الرحمن أبو الفضائل... ويتم أسر الثالث مبارك أبوالمناقب، كما يتم اسر أخوات الخليفة فاطمة وخديجة ومريم. د. أن يستدعي من بغداد بعض الرجال بعينهم وهؤلاء هم الرجال الذين ذكر ابن العلقمي اسماءهم لهولاكو، وكانوا من علماء السنة، وكان ابن العلقمی بکن لهم كراهية شديدة، وبالفعل تم استدعاؤهم جميعا نكان الرجل منهم يخرج من بينه ومعه أولاده ونساؤه فيذهب إلى مكان خارج بغداد عينه التنار بجوار المقابر، فيذبح العالم كما تذيع الشاة، وتؤخذ نساؤه واولاده إما للسبي او للقتل، لقد كان الأمر ماساة بكل المقايس وذبح على هذه الصورة استاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ بن الفرج بن الجوزي، وذبح أولاده الثلاثة عبد الله ، عبد الرحمن، وعبد الكريم، وذبح المجاهد مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاء اللذان قادا الدعوة إلى الجهاد في بغداد، وذبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفة ومربيه صدر الدين علي بن النهار، ثم نبح بعدهولاء خطباء المساجد والأئمة وحملة القرآن، وكل هذا والخليفة حي يشاهد، ورای آن هولاكو بتعامل تعاملا ودية مع ابن العلقمي الوزير الخائن وأدرك بوضوح العلاقة بينهما وانكشفت أمامه الحقائق بكاملها، وعلم النتائج المترتبة على توسيد الأمر لغير أهله، ولكن بعد فوات الأوان.

-  استباحة بغداد:


 بعد أن ألقى أهل المدينة السلاح وبعد أن قتلت هذه الصفوة، وبعد أن أنساب جند هولاكو إلى شوارع بغداد ومحاورها المختلفة، أصدر هولاكو امره الشنيع باستباحة بغداد، وأتوا على كل ما فيها، فخربوا المساجد بقصد الحصول على قبابها المذهبة، وهدموا القصور بعد أن سلبوا ما بها من تحف نادرة وأباحوا القتل والنهب وسفك الدماء، وكان استهتار المغول بالنفوس بالغ حد الفظاعة ، فيروى أن أحدهم دخل زناتة، وقتل اربعين طفلا شفقة منه ورحمة حين علم أن امهاتهم قتلن من قبل ، ويقدر المعتدلين من المؤرخين عدد القتلى بنحو ثمانمائة ألف نسمة، ولم يقتصر النار على قتل الرجال الأقوياء فقط، وإنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ، وكانوا يقتلون النساء إلا من استحسنوه منهن، فإنهن کانوا یاخذونها سبا) ، ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة، وقد استمرت هذه الغارة أربعين يوما، اندلعت فيها السنة النيران في كل جانب، نالتهن كل ما صادفها، وأنت على الأخضر واليابس، وخربت أكثر الأبنية وجامع الخليفة، ومشهد الإمام موسى الكاظم، وقبور الخلفاء في الرصافة، 

وعندما دخل هولاكو مدينة بغداد، قصد نصر الخلافة، وجلس في الميمنة، واحتفل مع الأمراء بذلك اليوم، وأمر بإحضار الخليفة، وقال له : أنت المضيف ونحن الضيوف فيجب عليك أن تقوم بواجب الضيافة، فصدق الخليفة قوله ، وكان يرتعد فرقة وخوفة واستولت عليه الدهشة واعتراء الذهول، لدرجة أنه لم يعد يعرف این وضع مفاتيح خزائنه، فأمر بكسر الأقفال، وإخراج الفين من الثياب، وعشرة آلاف دينار، ونفائس ومرصعات، وجواهر عديدة، فذها هدية لهولاکو خان الذي لم يعرتلك الأشياء التفاتة، ووزعها على اتباعه، ثم قال للخليفة: هذه الأموال التي تملكها على سطح الأرض أمرها واضح، وهذه تعد غنيمة، فتكون من نصيب جنودنا، والآن نريد أن نكشف لنا عن الأموال والدفائن.

 فما هي واین توجد عندئذ اعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب وسط القصر، فلما حفروا ذلك المكان وجدوه مملوءة بالذهب الإبريز، وكانت كل قطعة منه تزن مائة مثقال، ثم أمر هولاكو بان يحموا حرم الخليفة وحاشينه، فوجدوا سبعمائة من النساء والسرايا والفة من الخدم)، وعندما وقف الخليفة على تعداد نسائه قال في تضرع: امنحني تلك النسوة اللاتي لم يكن يطلع عليهن ضوء الشمس ولا نور القمر، فأمر هولاكو بأن يختار من بينهن مائة من النسوة ممن هن من أقاربه والمحببات إليه، ثم رجع إلى معسكره ليلا وفي الصباح كلف قائده اسونجاق، بأن يذهب إلى المدينة لبضبط اموال الخليفة ويخرجها ، فجمع هذا كل ما كان الخلفاء العباسيون قد ادخروه خلال خمسة قرون. وأخيرة بعد أن سفك مولاكر من الدماء ما سفك، وبعد أن خرب ما خرب، أصدر أمره بالكف عن القتل، وبان نصرف كل إلى عمله، يقول ابن كثير: ولما نودي ببغداد بالامان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والمقابر كانهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم، ولقد أنكر بعضهم بعضأ فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد، فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى.


 مقتل الخليفة المستعصم بالله: 


عامل هولاكو الخليفة معاملة سيئة للغاية ، بحيث أنه حرم عليه الطعام، فلما أحس الخليفة بالجوع طلب طعاما ، فقدم له هولاكو طبقة مملوءة بالذهب، وأمره أن يأكل، فقال الخليفة: كيف يمكن أكل الذهب؟... فرد عليه هولاكو : إذا كنت تعرف أن الذهب لا يؤكل فلماذا احتفظت به ولم توزعه على جنودك حتى يصونوا لك ملكك الموروث من هجمات هذا الجيش المغير؟ ولم لم تحول تلك الأبواب الحديدية إلى سهام، وتسرع إلى شاطئ نهر جيحون لتحول دون عبوري؟... فأجاب الخليفة: هكذا كان تقدير الله. فقال هولاكو: وما سوف يجري عليك إنما هو كذلك تقدير الله. وفي رواية أخرى: أن هولاكو عندما وجه هذه الأسئلة إلى الخليفة لزملصمت ولم يحر جوابا". وأما عن الكيفية التي قتل بها المستعصم، فإنها لازالت مسألة يكتنفها الغموض، إذ تضاربت فيها روايات المؤرخين، ولعل أبا الفداء بمثل لنا اختلاف الروايات بخصوص قتل المستعمم تمثيلا واضحا حين قال: ولم يقع الاطلاع على كيفية قتله، فقيل : خنق، وقيل: وضع في عدل ورفسوه حتى مات، وقيل : غرق في دجلة، ويختم عبارته بقوله : والله أعلم بحقيقة ذلك .

 واشتهرت بين المؤرخين قتل المستعصم في غرارة ثم رفسه إلى أن مات. والسؤال المطروح: لم اخبار هولاكو هذه الطريقة في قتل المستعصم؟ قيل في تبرير ذلك أمور منها: و شق على مستشارى هولاکو خان من المسلمين أن يراق دم الخليفة وهو امیر
المؤمنين وزعيمهم الديني فحذروا الخان المغولي أن يقدم على تلك الفعلة ،
حتى أنهم ليرون أن أحد المنجمين قال لهولاكو: إذا قتل الخليفة، فإن العالم يصير اسودة مظلمة وتظهر علامات القيامة، وفي هذه المرة أيضا نفی نصیر الدين الطوسي هذا الادعاء وايدا به ببراهين عملية تثبت أن عدة خلفاء من بني العباس قتلوا ولم يحدث خلل پذكر، فلما صمم هولاكو على قتله، احترز من ان پريق دمه فقتله بالطريقة السالفة الذكر.
به قتل هولاكو المستعصم دون أن يريق دمه، لا خوفا من تحذير العلماء المسلمين.
هولاكو
وإنما جريأ على عادة المغول، كما أشار إلى ذلك النويري إذ يقول: وجيء بالخليفة إلى هولاكو فأمر أن يجعل في جولق ویداس بارجل الخيل، ففعل به ذلك حتى مات، كما ذكرناه في اخبار الدولة العباسية، ومن عادة التتار انهم لا يسفكون دماء الملوك والأكابر غالبا). ويقول ابن خلدون: وقبض على المستعصم فشدخ بالمعاول في عدل تجافية عن سفك دمه بزعمهم. كان جنكيز خان يمارس تقاليد قومه التي كانت تحرم إراقة دم زعيم أي قبيلة يجري في عروقه الدم الملكي ويستعملون طريقة خمد الأنفاس تحت ضغط أقمشة ثقيل


المصادر:

-البدايه والنهايه                    ابن كثير 

-دوله المغول والتتار              الصلابى 

-جامع التواريخ مج2                رشيد الدين الهمذانى

شاهد أيضا:




تعليقات